تمهيد لشروط الرقية وأحكامها :
انه في عصر اختلطت فيه الأمور بين الحق و الباطل و غلب فيه الباطل على
الحق, والشر على الخير, و خاصة أننا نتحدث عن أمر أختلط فيه الحابل
بالنابل, وحيث أن الرقية الشرعية تعتبر من هذا التشريع الذي سنه لنا رسول الله
صلى الله عليه و سلم , فكان لزاما علينا أن نأصل هذا النوع من أنواع الفقه في
الرقية الشرعية. و لا ندعى الكمال و لا كمال العلم و لكن هو عطاء المقل و
اجتهاد من طالب علم, سائلين الله أن يسدد خطانا و يعلمنا ما جهلنا و أن يفقهنا
في ديننا. ولما أصبحت الرقية الشرعية منتشرة انتشارا عظيما على مستوى العالم
الأسلامي بل العالم اجمع ,و حيث انه اصبح كثير من المعالجين و المتحدثين
يدلى بدلوه دون الرجوع الى الأصل في كثير من الأحيان , وعندنا الأصل كتاب
الله و سنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم. من هذا المنطلق أحببنا أن نوصل
الى أحبتنا وأخواننا فى الأسلام ما كتبه أهل العلم, وماأصله السلف الصالح
الذي فيه قدوتنا النبي محمد صلى الله عليه و سلم و ما اخبرنا به عن الله ليقودنا
جميعا الى الله .وعندما نتمعن الرقى في هذا الزمان و في غيره من الأزمنة وما أدخل فيها
وما أضيف اليها, نجد أن كثيرا من الأمور لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه و
سلم , و لا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم, و لا في عهد التابعين من بعدهم
لذا قسمنا الرقى الى ثلاثة أقسام .
القسم الأول: رقى شرعية
و هي أن تكون بكلام الله أو بكلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم ,الثابت عنه في كتب الصحاح من أبواب الاستشفاء و الأدعية النبوية
التي تتعلق بالاستشفاء, و أن تكون هذه الرقية باللغة العربية الواضحة المسموعة و
ذلك تفريقا لما يفعله السحرة و المشعوذون و الدجالون من تمتمات لا تفهم و لا
تفقه , و أن تكون الرقى ليست مختلطة بشرك أو كفر أو ابتداع . فكل ما عدا
هذه الأمور مباح بدليل ما رواه الأمام مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك
الأشجعي, قال :" كنا نرقى في الجاهلية, فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟
فقال: اعرضوا على رقاكم , لا بأس في الرقى ما لم يكن فيه شرك" . رواه مسلم.
القسم الثاني : الرقي الشركية :
وهذا النوع من الرقية منافيا تماما للشرع لأنه الشرك الأكبر والمخرج من الملة،
حيث أنها تتم بالاستعانة والاستغاثة بغير الله. وهو يجرح جناب التوحيد
وهو المحبط للعمل (لأن أشركت ليحبطن عملك) .وهذا النوع من الرقي التي
وصفها النبي صلي الله عليه وسلم، بأنها من الشرك ، والتي قال عنها عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه" كان مما حفظنا عن النبي، صلي الله عليه وسلم ، أن
الرقي والتمائم والتولة من الشرك" رواه الحاكم .
كذا الذي يعتقد ويعتمد على الرقية اعتمادا كليا ، ويظن أنها نافعة ومؤثرة
بذاتها ,لا بقدرة الله ، وهذا فيه خلل في الاعتقاد والعياذ بالله. بل يجب الاعتقاد بأن
كل شي انما يكون باذن الله ، وعدم الاعتماد علي التمائم ، والخرز وغيرها مما
يجعل القلب يتعلق بغير الله ، وقد بين خليل الرحمن نبي الله ابراهيم عليه
السلام ،عندما حاج قومه. قال عز وجل(واتل عليهم نبأ ابراهيم اذ قال لأبيه وقومه
ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنضل لها عاكفين* قال هل يسمعونكم اذ تدعون أو
ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا ابائنا كذلك يفعلون * قال أفر أيتم ما كنتم
تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فانهم عدو لي الا رب العالمين* الذي خلقني فهو
يهدين* والذي هو يطعمني ويسقين* واذا مرضت فهو يشفين*) لذلك فان الله عز
جاهه وعظم شأنه وتقدست أسماؤه هو الذي يملك الشفاء ولا غيره يملك ذلك . لذا
فلننظر الى الهادي البشير والسراج المنير عليه افضل الصلوات وهو يعلمنا هذا
الدرس العملي, والذي يصفه لنا حب رسول الله صلي الله عليه وسلم أنس بن مالك
رضي الله عنه.. فقد ثبت في صحيح البخاري "أن عبد العزيز قال دخلت أنا
وثابت على أنس بن مالك ، فقال ثابت : يا أبا هريرة اشتكيت! فقال أنس ألا أرقيك
برقية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال بلى . قال: اللهم رب الناس،
مذهب الباس أشف أنت الشافي ، لاشافي الا أنت شفاء لا يغادر سقما". كل هذا
يريد صلى الله عليه و سلم أن يجنبنا أن نقع في الشرك فكيف به لو انه عاش
زماننا هذا والذي كثر فيه الذين يقرؤون الكف ويقرؤون الفنجان ،ويقرؤون الحظ
الذي لا تخلو منه مجلة تحت مسمى الابراج،و الضرب في الرمل وقراءة الودع،
والاستعانة بالجن المسلم كما يدعي البعض،و التبرك بمن في القبور وسؤالهم ،
وطلب المدد منهم والذبح لغير الله . لم يعش صلى الله عليه وسلم كل هذا في
زماننا ولكن حذرنا أن نرجم أو نتكلم بالغيب وحذرنا أن نذهب الى العرافين
والكهنة ومن يعمل عملهم من السحرة والمشعوذين وغيرهم ممن يكذب لأن أعمال
هؤلاء جميعا مبنية ،على الكذب ،وقد قال صلى الله عليه وسلم" من أتى عرافا
أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه
احمد. لذا فان كل من أتى هؤلاء فقد صدقهم بما يقولون.
القسم الثالث الرقية البدعية:
هي كل ما أضيف من رقى يعمل بها المشعوذون أو من كتبهم وان لم يكن بها
شيء من الشرك أو الكفر لكن اعتاد هؤلاء القوم على استخدامها حتى لا يظن
الناس أنها من الرقي الشرعية حيث أنها لم تكن علي منهج رسول الله صلي الله
عليه وسلم وما لم يثبت عن النبي فانه يدخل في الاحداث و"من أحدث في امرنا
هذا ما ليس منه فهو رد" كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ،والمثال
على ذلك أن بعض الناس يقول اذا كان عندك شيء من الحسد مثلا فقرأ أية
الكرسي 70 مرة في ضوء القمر ليلة كذا وكذا والمقصود هنا قراءة الكرسي
ولكن كون أن هذه الصفة و الصيغة لم ترد بنص شرعي لذلك اصبحت بدعة.
وكذلك كل آية أو قراءة وردت بعدد معين من قبل النبي صلى الله عليه وسلم يكون
الأمر في ذلك توقيفيا لاينبغي الزيادة أو النقصان وكلا الحالتين فيها استدراك علي
الرسول وهو عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى . فما ذ كره سبعا
نذكره سبعا وما ذكره ثلاثا نذكره ثلاثا كل ذلك حتى نكون متبعين لا مبتدعين ،
والله من وراء القصد .